أعطتها الحياة كل ما تريد..زوجا محبا وفيا ..وطفلا جميلا ملأ دنياهما بالسعاده والأمل..ولكن سماء هناءتها لم تلبث أن اكفهرت فجأه..فاختطف الموت زوجها الشاب بعد مرض قصير!!
وارتدت الزوجه الصغيره ثياب الحداد ...وعاشت بين دموعها ووحدتها أياما طويله مريره..حتى أدركت أن لا جدوى للبكاء..وأن من ذهب لن يعود ولو أغرقت الأرض بدموعها!!وبدأت تحصر تركة زوجها الراحل ,لترسم طريق حياتها الجديده..امرأه بلا زوج , وطفل بلا أب !!
كان كل ما تركه لها ..بضعة جنيهات ,هي مكافأته عن أعوام قضاها في خدمة احدى المؤسسات الصناعيه !!بضعة عشر جنيها ..انها لا تكفي للحياه بضعة عشر يوما ..ثم تصبح من الذكريات !!
وبدا لها المستقبل مظلما ..كهوه عميقه فاغره فاها تتشوق الى ابتلاعها ..ما أقسى وحدتها الان بلا
زوج ولا أهل !! فقد كانت يتيمه الأبوين ..عاشت في كنف خالتها التي توفيت بعد زواجها بأيام..وكادت تيأس وتستسلم لمصيرها المجهول ,عندما وقعت نظراتها على وجه طفلها وهو نائم..وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامه هانئه مطمئنه..لقد أدركت في تلك اللحظه أنها صارت ربان السفينه الصغيره ..بعد أن مات ربانها..وأن عليها أن تقود السفينه وتشق بها الأمواج وتتحدى الأنواء والعواصف حتى تصل بالطفل الصغير الى شاطئ الأمان..وقررت أن تعمل لتوفر لصغيرها مطالب الحياة..وبدأت تطرق الأبواب ..تبحث عن عمل ..أي عمل..وبدأت الجنيهات القليله تتضائل ..حتى أوشكت على النفاذ !!
وأخيرا ..وبعد أن هدها البحث والتجوال ..وجدت عملا في متجر صغير..من الصباح الى المساء..لقاء جنيهات قليله..ولكنها كفتها مرارة الحاجه وذل السؤال..
وظنت أن الحياة قد هادنتها ..وأنه لم يبقى أمامها الا أن تعكف على تربية طفلها ,حتى يصير رجلا قادرا على الكسب ...
ولكن أحلامها كانت سرابا ..اذ بدأ صاحب المتجر الكهل يطمع في جمالها بعد أن هام بها غراما..وظن أن الفريسه سهله ما دام يملك الثمن.., وجاهدت الأم الصغيره بكل قواها لتحتفظ بعملها ومعه شرفها ..ولكنها وجدت نفسها أخيرا بين أمرين لا ثالث لهما ..
اما الشرف ...واما العمل...
وخرجت ...ومعها شرفها...
وعادت تطرق الأبواب من جديد ..والعيون كلها عيون ذئاب.. والنظرات الشرهه كلها تساومها..أن تدفع لتأخذ..ولكن رصيد شبابها وأنوثتها الذي كان ملكا لرجلها ..صار من بعده ملكا لطفلها ..فليس من حقها أن تنفق منه..!! وتقدم اليها كثيرون يطلبون يدها ,ولكنها ردتهم عن بابها يائسين..فقد قررت أن تعيش لطفلها لا يشاركه أحد في حبها وحنانها......
وامتهنت أشق الأعمال وأدناها ..كانت تغسل ثياب الناس وتنظف بيوتهم لفاء قروش قليله..ثم تعود اخر النهار مرهقه مكدوده ..لا تكاد ساقاها تقويان على حملها!! ويتلقاها طفلها الصغير بالعناق ..
فتأخذه في صدرها وسرعان ما تنسى بين أحضانه همومها وشقاوتها!!
ومضت الأيام.......
وكبر الطفل ..وعرف الطريق الى المدرسه ..وبدأت الأم تجاهد في صلابه ,لتوفر له نفقات الدراسه,فحرمت نفسها من الطعام الا ما يقيم أودها لتشبعه..وحرمت نفسها من ثوب بديل عن ثوبها القديم المهلهل ..لتكسوه!!
ومضت الأعوام........
والأم تجاهد ..سعيده بجهادها ..وبتضحياتها من أجل ولدها ..حتى أثقل الشقاء كاهلها ,وأحنت الهموم ظهرها,فبدت في خريف العمر وهي دون الأربعين...,وصار الطفل.. شابا يحمل في يمينه شهاده دراسيه متوسطه تفتح أمامه الطريق الى احدى الوظائف..
وذات يوم زف اليها بشرى ..البشرى التي عاشت عمرها تحلم بها ..لقد وجد عملا !! وأخذته في صدرها وقد غسلت دموع الفرحه وجهها ..وقال لها في سعاده دافقهالان يا أمي ..آن لك ان تستريحي ..فقد جاء دوري لأرد لك بعض صنيعك..ولو أني مهما فعلت فلن أستطيع أن أعوضك عشر معشار ما ضحيته من أجلي..)وهمست الأم وهي تمسح يدها على شعره في حنان :لا تقل هذا يا ولدي ..فما فعلت من أجلك أكثر مما تفعله أي أم من أجل أولادها.....
وظنت الأم البائسه انه قد آن لها حقا أن تستريح ..في كنف ابنها البار الحنون..وأن القدر الذي عاداها وأذاقها المر والشقاء..سيعطيها نصيبها من السعاده..ولكنه كان يتربص بها ..!!
فبينما كان وحيدها في طريقه الى عمله ذات صباح ,صدمته سياره مسرعه..ونقل الى مستشفى البلده بين الحياة والموت !!وبعد لحظات ..كانت الأم تجثو أمام الطبيب ,وتغسل قدميه بدموعها ,وتتوسل اليه أن ينقذ وحيدها......فقال لها الطبيب :ان ولدها في حاجه عاجله الى نقل دم ..فقد نزف كثيرا..
وليس بالمستشفى دم من فصيلته ..وصرخت الأم في صوت ملهوف وهي تمد اليه ذراعها :أنا امه ..ودمي دمه ..خذ منه ما تشاء ..ونظر اليها الطبيب مشفقا ..فرأى في عينيها الدامعتين نظره ضارعه..
ولم يكن أمامه خيار ..فتناول ذراعها ..وبدأ عمله..ومضت لحظات ..والدم يتدفق من قلب الأم الى قلب الأبن..فيما ..فيما تعلقت نظراتها القلقه بوجهه الشاحب المسجى أمامها على المنضده البيضاء..
وبدأ لون الدم يترقرق في وجه الابن..فيما أخذ وجه الأم يشحب ويشحب ..ونظر اليها الطبيب في قلق..
فهمست اليه في صوت واهن ..ولكنه قاطع !!:لا تتوقف يا سيدي ..فما زلت أملك الكثير من أجله..
وتنفس الطبيب في ارتياح..والتفت الى الأم الطيبه يهنئها بنجاة ولدها..ولكن ..نظراته تسمرت على وجهها في ذهول !!
كان رأسها قد تدلى على صدرها ..وقد أضاءت وجهها ابتسامه سعيده راضيه..
فيما كف قلبها عن الخفقان.......
وارتدت الزوجه الصغيره ثياب الحداد ...وعاشت بين دموعها ووحدتها أياما طويله مريره..حتى أدركت أن لا جدوى للبكاء..وأن من ذهب لن يعود ولو أغرقت الأرض بدموعها!!وبدأت تحصر تركة زوجها الراحل ,لترسم طريق حياتها الجديده..امرأه بلا زوج , وطفل بلا أب !!
كان كل ما تركه لها ..بضعة جنيهات ,هي مكافأته عن أعوام قضاها في خدمة احدى المؤسسات الصناعيه !!بضعة عشر جنيها ..انها لا تكفي للحياه بضعة عشر يوما ..ثم تصبح من الذكريات !!
وبدا لها المستقبل مظلما ..كهوه عميقه فاغره فاها تتشوق الى ابتلاعها ..ما أقسى وحدتها الان بلا
زوج ولا أهل !! فقد كانت يتيمه الأبوين ..عاشت في كنف خالتها التي توفيت بعد زواجها بأيام..وكادت تيأس وتستسلم لمصيرها المجهول ,عندما وقعت نظراتها على وجه طفلها وهو نائم..وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامه هانئه مطمئنه..لقد أدركت في تلك اللحظه أنها صارت ربان السفينه الصغيره ..بعد أن مات ربانها..وأن عليها أن تقود السفينه وتشق بها الأمواج وتتحدى الأنواء والعواصف حتى تصل بالطفل الصغير الى شاطئ الأمان..وقررت أن تعمل لتوفر لصغيرها مطالب الحياة..وبدأت تطرق الأبواب ..تبحث عن عمل ..أي عمل..وبدأت الجنيهات القليله تتضائل ..حتى أوشكت على النفاذ !!
وأخيرا ..وبعد أن هدها البحث والتجوال ..وجدت عملا في متجر صغير..من الصباح الى المساء..لقاء جنيهات قليله..ولكنها كفتها مرارة الحاجه وذل السؤال..
وظنت أن الحياة قد هادنتها ..وأنه لم يبقى أمامها الا أن تعكف على تربية طفلها ,حتى يصير رجلا قادرا على الكسب ...
ولكن أحلامها كانت سرابا ..اذ بدأ صاحب المتجر الكهل يطمع في جمالها بعد أن هام بها غراما..وظن أن الفريسه سهله ما دام يملك الثمن.., وجاهدت الأم الصغيره بكل قواها لتحتفظ بعملها ومعه شرفها ..ولكنها وجدت نفسها أخيرا بين أمرين لا ثالث لهما ..
اما الشرف ...واما العمل...
وخرجت ...ومعها شرفها...
وعادت تطرق الأبواب من جديد ..والعيون كلها عيون ذئاب.. والنظرات الشرهه كلها تساومها..أن تدفع لتأخذ..ولكن رصيد شبابها وأنوثتها الذي كان ملكا لرجلها ..صار من بعده ملكا لطفلها ..فليس من حقها أن تنفق منه..!! وتقدم اليها كثيرون يطلبون يدها ,ولكنها ردتهم عن بابها يائسين..فقد قررت أن تعيش لطفلها لا يشاركه أحد في حبها وحنانها......
وامتهنت أشق الأعمال وأدناها ..كانت تغسل ثياب الناس وتنظف بيوتهم لفاء قروش قليله..ثم تعود اخر النهار مرهقه مكدوده ..لا تكاد ساقاها تقويان على حملها!! ويتلقاها طفلها الصغير بالعناق ..
فتأخذه في صدرها وسرعان ما تنسى بين أحضانه همومها وشقاوتها!!
ومضت الأيام.......
وكبر الطفل ..وعرف الطريق الى المدرسه ..وبدأت الأم تجاهد في صلابه ,لتوفر له نفقات الدراسه,فحرمت نفسها من الطعام الا ما يقيم أودها لتشبعه..وحرمت نفسها من ثوب بديل عن ثوبها القديم المهلهل ..لتكسوه!!
ومضت الأعوام........
والأم تجاهد ..سعيده بجهادها ..وبتضحياتها من أجل ولدها ..حتى أثقل الشقاء كاهلها ,وأحنت الهموم ظهرها,فبدت في خريف العمر وهي دون الأربعين...,وصار الطفل.. شابا يحمل في يمينه شهاده دراسيه متوسطه تفتح أمامه الطريق الى احدى الوظائف..
وذات يوم زف اليها بشرى ..البشرى التي عاشت عمرها تحلم بها ..لقد وجد عملا !! وأخذته في صدرها وقد غسلت دموع الفرحه وجهها ..وقال لها في سعاده دافقهالان يا أمي ..آن لك ان تستريحي ..فقد جاء دوري لأرد لك بعض صنيعك..ولو أني مهما فعلت فلن أستطيع أن أعوضك عشر معشار ما ضحيته من أجلي..)وهمست الأم وهي تمسح يدها على شعره في حنان :لا تقل هذا يا ولدي ..فما فعلت من أجلك أكثر مما تفعله أي أم من أجل أولادها.....
وظنت الأم البائسه انه قد آن لها حقا أن تستريح ..في كنف ابنها البار الحنون..وأن القدر الذي عاداها وأذاقها المر والشقاء..سيعطيها نصيبها من السعاده..ولكنه كان يتربص بها ..!!
فبينما كان وحيدها في طريقه الى عمله ذات صباح ,صدمته سياره مسرعه..ونقل الى مستشفى البلده بين الحياة والموت !!وبعد لحظات ..كانت الأم تجثو أمام الطبيب ,وتغسل قدميه بدموعها ,وتتوسل اليه أن ينقذ وحيدها......فقال لها الطبيب :ان ولدها في حاجه عاجله الى نقل دم ..فقد نزف كثيرا..
وليس بالمستشفى دم من فصيلته ..وصرخت الأم في صوت ملهوف وهي تمد اليه ذراعها :أنا امه ..ودمي دمه ..خذ منه ما تشاء ..ونظر اليها الطبيب مشفقا ..فرأى في عينيها الدامعتين نظره ضارعه..
ولم يكن أمامه خيار ..فتناول ذراعها ..وبدأ عمله..ومضت لحظات ..والدم يتدفق من قلب الأم الى قلب الأبن..فيما ..فيما تعلقت نظراتها القلقه بوجهه الشاحب المسجى أمامها على المنضده البيضاء..
وبدأ لون الدم يترقرق في وجه الابن..فيما أخذ وجه الأم يشحب ويشحب ..ونظر اليها الطبيب في قلق..
فهمست اليه في صوت واهن ..ولكنه قاطع !!:لا تتوقف يا سيدي ..فما زلت أملك الكثير من أجله..
وتنفس الطبيب في ارتياح..والتفت الى الأم الطيبه يهنئها بنجاة ولدها..ولكن ..نظراته تسمرت على وجهها في ذهول !!
كان رأسها قد تدلى على صدرها ..وقد أضاءت وجهها ابتسامه سعيده راضيه..
فيما كف قلبها عن الخفقان.......