توجّهت سيدة قروية، لأحد العلماء، تظنه ساحرا، وطلبت منه أن يعمل لها سحرا، ليعيد إليها زوجها. سمع العالم التفاصيل وأخبرها أن الأمر يتطلب منها عملا جريئا، وهو إحضار شعرة من رقبة الأسد. فوجئت السيدة قائلة: إن الأسد حيوان مفترس، قد يفترسني. أجابها العالِم أن لا طريقة أخرى لتحقيق الهدف إلا هذه الطريقة، شارحا لها أن الأسد لا يفترس إلا إذا كان جائعا، وإن كان شبعا، تأمن شره. تزوّدت الزوجة بالنصيحة والشجاعة وذهبت إلى الغابة القريبة، وبدأت ترمي للأسد بقطع اللحم يوما بعد يوم، حتى تعوّد عليها الأسد وألفها واطمأن إليها، وكانت تقترب منه في كل مرة، وهي مطمئنة، إلى أن جاء يوم، وضعت يدها على عنقه، ومسحت شعره بحنان ورفق، ولم يكن من الصعب أن تأخذ الشعرة بكل هدوء. عندها أسرعت إلى العالِم الذي كانت تظنه ساحرا، والفرحة تملأ نفسها، وهي تلوّح بالشعرة. فسألها العالِم ماذا فعلت؟ شرحت له خطة ترويض الأسد والتي تلخّصت في معرفة المدخل لقلب الأسد أولا، وهو إشباعه واكتساب ثقته، ثم الاستمرار والصبر إلى أن يحين قطف الثمر. عندها حدّق بها العالِم وقال لها : أيتها السيدة، لقد روّضتِ أكثر الحيوانات شراسة، وزوجك ليس أكثر شراسة من الأسد، فافعلي معه مثلما فعلت مع الأسد يكون لك ما أردتِ منه... وشكرا للعم أبو شكيب مزيد عباس الذي قرأنا هذه القصة في أحد كُتبه.
ونحن نعتقد أن وضعنا كطائفة، هو نفس وضع السيدة القلقة، لا نعرف ما نعمل وكيف نتصرف، شاعرين باليأس والقنوط، وتبدو أمامنا الطرق وكأنها مسدودة.فقد احتفلنا قبل أسابيع، بعيد الأضحى المبارك، وسهرنا ليالي العُشر القدسية، واجتمع شيوخنا ومؤمنونا على كلمة التوحيد، وابتهلنا إلى الله سبحانه وتعالى، أن يبعث الخير والبركة في نفوس الجميع، واستعدنا وكررنا دعوتنا للوحدة والإلفة، ولم نيأس وسوف لن نيأس، وسنظل دائما نرجو ونتأمل أن يظل عنصر الخير هو الذي يسيّر أمورنا، وهو الذي يوجهنا، وهو الذي يحدد مسيرنا وطريقنا، لأننا قوم مؤمنون نخاف الله، ولنا طريق، ولنا عقيدة ودين وإيمان.
وها نحن اليوم نحتفل بالزيارة السنوية لمقام سيدنا الخضر عليه السلام في كفر ياسيف، هذه الزيارة التي نجتمع فيها في باحة المقام الشريف للصلوات والابتهالات ولتجديد الإيمان وللتقارب والوحدة والمحبة. وفي هذا اليوم الكبير نأمل أن تتصافى القلوب ويلتئم شمل الجميع، ويحضر عدد كبير من المشايخ ورجالات الطائفة إلى المقام الكريم، والكل يحدوه الأمل والرجاء، بواقع أحسن، وبمستقبل أفضل، وبجو أنقى وأصفى، وبحياة أسعد، وبقيام ظروف وإمكانيات يستطيع المرء أن يطمئن إلى وجوده وكيانه واستمراريته. ومع ابتهالاتنا ورجائنا من الله أن تكون هذه الزيارة فاتحة عهد خير ومحبة، وأن تكون انطلاقا إلى عمل مثمر جيد فيه جدوى ونفع، لجميع أبناء الطائفة، وأن نتعالى عن الأحقاد والضغينة والحسد، وأن نعود إلى جذورنا وإلى تراثنا وإلى عاداتنا وتقاليدنا، التي برهنت لنا، عندما حافظنا عليها أنها، هي كذلك حافظت علينا خلال ألف سنة، فمسيرة الطائفة الدرزية منذ ظهرت بشارة التوحيد في القاهرة المعزية قبل ألف سنة وحتى اليوم، هي نداء وإعلان وتصريح بتوحيد الله، وبالتقرب منه وبالإذعان له، وبطلب المغفرة، كل ذلك كي يكون الإنسان قريبا من أخيه الإنسان، محبا له، مخلصا له، يدعمه ويسنده، فيدعم نفسه ويسندها، وعندما يخلق الوعي والانتباه إلى ضرورة العمل المشترك والسعي الجماعي، تتوحد الكلمة ويلتئم الشمل، وتتجمّع القوى، ونستطيع أن نتغلب على كل طارئ، وعلى كل عائق، وعلى كل عنصر لا ينوي الخير لهذه الطائفة.
وبين عيد الأضحى وزيارة سيدنا الخضر عليه السلام، فوجئ الكثيرون في منطقتنا، بانحباس المطر. ومرّ يوم وراء يوم، ومر أسبوع وراء أسبوع، والكل ينظر إلى السماء، فيرى الشمس المحرقة، ويشعر بالدفء، ويتوقع المطر والبرق والرعد والسيول، وهي لا تأتي. وحدث في السابق، أن مرت أيام وأسابيع بدون مطر، لكن ما حدث هذه السنة كان أكثر مما عرفنا وعهدنا في ذلك الوقت. وكثرت التساؤلات، وبدأ الناس يتداولون بالموضوع، وأصبح موضوع المطر حديث وسائل الإعلام والجماهير، كل ذلك بالرغم من أن الماء متوفر في كل بيت، ولم يحصل أي فقر أو عوز أو نقص بقطرة ماء واحدة في أي بيت، ولم يعطش، ولم يُحرم أي إنسان من لذة الماء. لكن المرء شعر نظريا فقط بعدم وجود الماء وبنقصانه وبغيابه. ونحن كمؤمنين لا نفقد الأمل برحمة الله، سبحانه وتعالى، فقد جاء المطر، وسقطت القطرات التي كنا نحلم بها، وارتاح الناس، وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، لكننا لم نتعلم الدرس من انحباس المطر ولم نعرف المغزى حتى الآن.
وعندما انحبس المطر عنا برهة قصيرة فقط، ثارت بنا ضجة كبيرة، فلماذا لا نتأثر، ولا نشتكي، ولا نتحسر، ولا نتألم، من انحباس الإيمان عنا وعن أهلنا كمجتمع. إن ما نشاهده في الآونة الأخيرة من ظواهر في قرانا، تثير فينا الخوف والوجل والفزع، أننا سائرون في دروب غير سوية، وأننا نبتعد بخطوات واسعة عن كل القيم والتقاليد التي عهدنا، والتي ورثناها، والتي رأينا فيها مثلا عليا، والتي حاربنا وقاتلنا واستمتنا من أجلها. نحن مع الحضارة، ومع المدنية، ومع الرقي، ومع التكنولوجيا، ومع كل شيء فيه راحة للإنسان، وفيه توفير جهد، وفيه تأمين نعومة وليونة. لكن ليس معنى هذا أن نفقد الكرامة والشرف والموازين الخلقية. كل الديانات، وكل الشعوب الأكثر تحضرا، لها مبادئ وأصول وقيم تحافظ عليها. ويستطيع المرء أن يكون أرقى إنسان، وفي نفس الوقت مؤدبا خلوقا ومحترما، فلا تناقض بين الشيئين، ولا أحد يمنع أي شاب أو شابة من التعلم والحصول على أعلى المراتب الجامعية، لكن ليس معنى ذلك، التجرد من الكيان والمقومات الرئيسية لهذا المتعلم، كدرزي أو درزية. بالعكس، علينا أن نظهر بالزي الدرزي الكامل، عقلاء حكماء متكلمين، لهم شخصية واضحة ظاهرة للعيان، تجسد فيها كل دواعي الفخر والكبرياء، وهي الشخصية الدرزية التقليدية، المألوفة التي ظهرنا بها خلال ألف سنة.
وبسبب قلة إيماننا وتضعضع عقيدتنا، فقدنا الكثير من قدراتنا وإمكانياتنا. وقد تبين هذا واضحا في كل ما يجري في أوساطنا في السنوات الأخيرة، في كافة التجمعات الدرزية. كان اسم جبل لبنان في السابق جبل الدروز، وكان اسم جبل حوران في السابق جبل الدروز، وعندما توجه نابليون إلى حاكم لبنان في حينه خاطبه كأمير الدروز، وعندما بعث البابوات برسائل توصية للأمراء في الشوف خاطبوهم كأمراء دروز، وهكذا كتب الرحالة والمستشرقون والمؤرخون. كان اسم الدروز عاليا مرفوعا شامخا له تعبير في أرض الواقع وله اسم وصيت وأمجاد. أما اليوم فقد بهتت الشخصية الدرزية وبدأت تختفي ملامحها، بسبب تراجعنا وترددنا وتلعثمنا أمام الآخرين، كأنهم أوصياء علينا. فقدنا الطريق والدرب وأصبحنا بحاجة إلى منجمين، وإلى مرشدين وحكماء وخبراء، كي يدلونا على الطريق الذي كنا نحن أول من رسمه وخططه واستعمله. وطالما نحن في هذه الدوامة ندور في فراغ سنفقد كل شيء، وربما تضطرنا الأحداث عندها أن نطلب النصيحة من الضاربين في المنجم، وطالعي البخت، وأصحاب السحر والشعوذة والأبراج..
وكل عام وأنتم بخير..
سميح ناطور
دالية الكرمل
كانون ثاني
2011
ونحن نعتقد أن وضعنا كطائفة، هو نفس وضع السيدة القلقة، لا نعرف ما نعمل وكيف نتصرف، شاعرين باليأس والقنوط، وتبدو أمامنا الطرق وكأنها مسدودة.فقد احتفلنا قبل أسابيع، بعيد الأضحى المبارك، وسهرنا ليالي العُشر القدسية، واجتمع شيوخنا ومؤمنونا على كلمة التوحيد، وابتهلنا إلى الله سبحانه وتعالى، أن يبعث الخير والبركة في نفوس الجميع، واستعدنا وكررنا دعوتنا للوحدة والإلفة، ولم نيأس وسوف لن نيأس، وسنظل دائما نرجو ونتأمل أن يظل عنصر الخير هو الذي يسيّر أمورنا، وهو الذي يوجهنا، وهو الذي يحدد مسيرنا وطريقنا، لأننا قوم مؤمنون نخاف الله، ولنا طريق، ولنا عقيدة ودين وإيمان.
وها نحن اليوم نحتفل بالزيارة السنوية لمقام سيدنا الخضر عليه السلام في كفر ياسيف، هذه الزيارة التي نجتمع فيها في باحة المقام الشريف للصلوات والابتهالات ولتجديد الإيمان وللتقارب والوحدة والمحبة. وفي هذا اليوم الكبير نأمل أن تتصافى القلوب ويلتئم شمل الجميع، ويحضر عدد كبير من المشايخ ورجالات الطائفة إلى المقام الكريم، والكل يحدوه الأمل والرجاء، بواقع أحسن، وبمستقبل أفضل، وبجو أنقى وأصفى، وبحياة أسعد، وبقيام ظروف وإمكانيات يستطيع المرء أن يطمئن إلى وجوده وكيانه واستمراريته. ومع ابتهالاتنا ورجائنا من الله أن تكون هذه الزيارة فاتحة عهد خير ومحبة، وأن تكون انطلاقا إلى عمل مثمر جيد فيه جدوى ونفع، لجميع أبناء الطائفة، وأن نتعالى عن الأحقاد والضغينة والحسد، وأن نعود إلى جذورنا وإلى تراثنا وإلى عاداتنا وتقاليدنا، التي برهنت لنا، عندما حافظنا عليها أنها، هي كذلك حافظت علينا خلال ألف سنة، فمسيرة الطائفة الدرزية منذ ظهرت بشارة التوحيد في القاهرة المعزية قبل ألف سنة وحتى اليوم، هي نداء وإعلان وتصريح بتوحيد الله، وبالتقرب منه وبالإذعان له، وبطلب المغفرة، كل ذلك كي يكون الإنسان قريبا من أخيه الإنسان، محبا له، مخلصا له، يدعمه ويسنده، فيدعم نفسه ويسندها، وعندما يخلق الوعي والانتباه إلى ضرورة العمل المشترك والسعي الجماعي، تتوحد الكلمة ويلتئم الشمل، وتتجمّع القوى، ونستطيع أن نتغلب على كل طارئ، وعلى كل عائق، وعلى كل عنصر لا ينوي الخير لهذه الطائفة.
وبين عيد الأضحى وزيارة سيدنا الخضر عليه السلام، فوجئ الكثيرون في منطقتنا، بانحباس المطر. ومرّ يوم وراء يوم، ومر أسبوع وراء أسبوع، والكل ينظر إلى السماء، فيرى الشمس المحرقة، ويشعر بالدفء، ويتوقع المطر والبرق والرعد والسيول، وهي لا تأتي. وحدث في السابق، أن مرت أيام وأسابيع بدون مطر، لكن ما حدث هذه السنة كان أكثر مما عرفنا وعهدنا في ذلك الوقت. وكثرت التساؤلات، وبدأ الناس يتداولون بالموضوع، وأصبح موضوع المطر حديث وسائل الإعلام والجماهير، كل ذلك بالرغم من أن الماء متوفر في كل بيت، ولم يحصل أي فقر أو عوز أو نقص بقطرة ماء واحدة في أي بيت، ولم يعطش، ولم يُحرم أي إنسان من لذة الماء. لكن المرء شعر نظريا فقط بعدم وجود الماء وبنقصانه وبغيابه. ونحن كمؤمنين لا نفقد الأمل برحمة الله، سبحانه وتعالى، فقد جاء المطر، وسقطت القطرات التي كنا نحلم بها، وارتاح الناس، وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، لكننا لم نتعلم الدرس من انحباس المطر ولم نعرف المغزى حتى الآن.
وعندما انحبس المطر عنا برهة قصيرة فقط، ثارت بنا ضجة كبيرة، فلماذا لا نتأثر، ولا نشتكي، ولا نتحسر، ولا نتألم، من انحباس الإيمان عنا وعن أهلنا كمجتمع. إن ما نشاهده في الآونة الأخيرة من ظواهر في قرانا، تثير فينا الخوف والوجل والفزع، أننا سائرون في دروب غير سوية، وأننا نبتعد بخطوات واسعة عن كل القيم والتقاليد التي عهدنا، والتي ورثناها، والتي رأينا فيها مثلا عليا، والتي حاربنا وقاتلنا واستمتنا من أجلها. نحن مع الحضارة، ومع المدنية، ومع الرقي، ومع التكنولوجيا، ومع كل شيء فيه راحة للإنسان، وفيه توفير جهد، وفيه تأمين نعومة وليونة. لكن ليس معنى هذا أن نفقد الكرامة والشرف والموازين الخلقية. كل الديانات، وكل الشعوب الأكثر تحضرا، لها مبادئ وأصول وقيم تحافظ عليها. ويستطيع المرء أن يكون أرقى إنسان، وفي نفس الوقت مؤدبا خلوقا ومحترما، فلا تناقض بين الشيئين، ولا أحد يمنع أي شاب أو شابة من التعلم والحصول على أعلى المراتب الجامعية، لكن ليس معنى ذلك، التجرد من الكيان والمقومات الرئيسية لهذا المتعلم، كدرزي أو درزية. بالعكس، علينا أن نظهر بالزي الدرزي الكامل، عقلاء حكماء متكلمين، لهم شخصية واضحة ظاهرة للعيان، تجسد فيها كل دواعي الفخر والكبرياء، وهي الشخصية الدرزية التقليدية، المألوفة التي ظهرنا بها خلال ألف سنة.
وبسبب قلة إيماننا وتضعضع عقيدتنا، فقدنا الكثير من قدراتنا وإمكانياتنا. وقد تبين هذا واضحا في كل ما يجري في أوساطنا في السنوات الأخيرة، في كافة التجمعات الدرزية. كان اسم جبل لبنان في السابق جبل الدروز، وكان اسم جبل حوران في السابق جبل الدروز، وعندما توجه نابليون إلى حاكم لبنان في حينه خاطبه كأمير الدروز، وعندما بعث البابوات برسائل توصية للأمراء في الشوف خاطبوهم كأمراء دروز، وهكذا كتب الرحالة والمستشرقون والمؤرخون. كان اسم الدروز عاليا مرفوعا شامخا له تعبير في أرض الواقع وله اسم وصيت وأمجاد. أما اليوم فقد بهتت الشخصية الدرزية وبدأت تختفي ملامحها، بسبب تراجعنا وترددنا وتلعثمنا أمام الآخرين، كأنهم أوصياء علينا. فقدنا الطريق والدرب وأصبحنا بحاجة إلى منجمين، وإلى مرشدين وحكماء وخبراء، كي يدلونا على الطريق الذي كنا نحن أول من رسمه وخططه واستعمله. وطالما نحن في هذه الدوامة ندور في فراغ سنفقد كل شيء، وربما تضطرنا الأحداث عندها أن نطلب النصيحة من الضاربين في المنجم، وطالعي البخت، وأصحاب السحر والشعوذة والأبراج..
وكل عام وأنتم بخير..
سميح ناطور
دالية الكرمل
كانون ثاني
2011
منقول